إجازة وبنزين ..!!

يفاجئك بعضهم بأقوال طنانة رنانة تتغنى بالنجاح والكفاح والتضحية والحنين والأنين (وكل كلام له رنين!) حتى تكاد تشك في أنك عديم المروءة عديم الإحساس، لا نُبل في نفسك ولا كرامة لك ولا إيثار في أخلاقك…وتجلد نقسك بالتساؤل أيعقل أن يكون هؤلاء أكثر حبا للخير من بقية البشر؟ أيعقل أن يكون هذا الرجل أكثر فطنة ودهاءا وذكاءا وانتباها لخير الأمة من الأمة كلها؟؟!؟!؟ لكن تفكيري المتأني فاجأني برد بسيط: “كلام، والكلام ما عليه ضريبة!!”

نعم يا صديقي إنه مجرد كلام، سواء أكان صاحبه يعي ما يقوله ويقصده دون أن ينتبه لتفاصيله، أو كان فقط يقوله ليخلق زوبعة في فنجان ويشار إليه بالبنان…عموما في الحالتين فقط نجح صديقنا الكاتب الصحفي الذي لم يسمع به كثيرون قبل أن يتغنى بمطالبه الوطنية في أن يصبح حديث الساعة، ليس لعبقرية اقتراحاته ونذرة أن يأتي الزمان بمثلها ولكن لما فيها من غرابة ولتوقيتها الغير المناسب البتة البتة!! الأخ المذكور  لمن لا يعرف الموضوع، طالب بتقليص الإجازات ورفع الدعم عن البنزبن.

لن أدخل في جدال مع أهل الكلام، فقد علمني الزمن أن أهل الكلام يحبون الجدال ويبرعون في مطّه ومدّه وشدّه وردّه، وأنا لا أملك من الوقت والصبر ما يكفي لتحمل أي منها، ولكنني سأجيب على اقتراحاته الشديدة “الروعة” (لا ننكر أن فيها شيئا من الروعة، سوءا رائعة أو مريعة!!) بجمل هي كالأتي:

قبل أن نتكلم بلسان الطبقة الكادحة نحتاج أن نكون واحدا منها، وقبل أن نطالب ب”جز” إجازات الشعب، ندعوك لتعيش سنة من الدوام المتواصل، لأن الزمرة “الحرة” تقول ما تقوله دون وعي لما يترتب على ذلك، فليس من سمع كمن رأى وليس من رأى كمن داوم!!

حين نتحدث عن حب العمل والتفاني والإخلاص فيه، فلا داعي لإقحام الإجازات، فحب العمل والتفاني فيه يكون بالإنتاجية وليس بعدد الأيام والساعات، وكلنا يعرف أشخاصا يعملون ساعات طوالا ولكن دون نتيجة وهذا ما يجب أن يهتم به الأخ الكاتب.. فالإجازات شرعت لتكون تجديدا لطاقة الموظف والعامل ولم تشرع اعتباطا… كما أن الاحتفال ببعض المناسبات ليس “مضيعة للوقت” كما يظنها الأخ الكاتب، فهناك شيء يدعى “عيد” وهذا الشيء له طقوس، وهذه الطقوس لها مستلزمات، وهذه المستلزمات تتطلب وقتا وهذا الوقت يستدعي إجازة! وقبل أن نتحدث عن الانتاجية ونصم البلد بأنه بلد إجازات لننظر إلى الدول “المتقدمة” والصناعية والتي تتزعم اقتصاد العالم، فخلال عيدهم “الكبير” تمنح إجازات تتجاوز الأسبوع، ولا أحد يصفها بأنها دولة إجازات!!

هناك دائما وسائل سلسة وبسيطة للحفاظ على سير العمل وزيادة الانتاجية، لكن خبرتي في عالم العمل تقول أن أغلبهم (ولن أحدد من “هم”) يظنون أن طول ساعات العمل مرادف لزيادة الإنتاج وهو ظن كله إثم!! فالإنتاجية تقاس بتقليص دائرة العمل، وابتكار طرق مبسطة للعمل، والاستغناء عن التكرار والبيروقراطية وغيرها من الممارسات التي تسحق الوقت والموظف ولا تأتي بخير!!

ربما يستحب لبعض القطاعات أن لا تنقطع عن العمل مدة طويلة، وهذا يمكن تنسيقه ضمن القطاع ذاته بتوفير مكاتب مداومة خلال الإجازات، بما يفي بالحالات الطارئة والعاجلة وليس بحرمان الجميع من الإجازة ليتواجدوا في دوام يمضون تسعة أعشاره في التذمر منه!!

حين تطالب برفع الدعم عن البنزين، قد نفهم أنه اقتراح لتخفيف عبئ ميزانية الدولة، ولكنه الأسلوب يا أخي، الأسلووب والتوقيت!…يبدو أن أخانا في الله لديه مشكلة في انتقاء أسلوب الطرح وتوقيته… ومثلما دعى نائب سويسري إلى منح الشعب جميعا راتبا شهريا ليتمتع الشعب براحة البال ويحيى في هناء وسرور، دعا أخونا في الله إلى رفع الدعم عن البنزبن…. إنها كلمة هو قائلها… رفع الدعم أو منح راتب رفاهية أمر تدرسه الجهات الاستشارية والمختصة للدولة، وقد تقره أو ترفضه ولا يبقى من الكلمة إلا ريحها لقائلها…طيبة أو غير طيبة!!

سواء كان لما كتبته يد في انكماش الإجازة أو لم يكن له يد، نبشرك أنك كنت حاضرا في كل بيت هذا العيد، وذُكرت بما تيسر، تقبل الله!

“حين يرفع الدعم عن بنزين سيارة موظف محروم من إجازة العيد، قد يشتعل ذاتيا ويحترق!!”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *