الحوت خير من الدود

nullnull

حين تُقفل أبواب الأمل في وجهك ويعطيك أهلك وجيرانك ظهرهم وأنت في أمس الحاجة، ويظهر أنْ ليس لك صديق في وقت الضيق، وأن كل كلام الأغاني وشعارات الأناشيد الوطنية العروبية مجرد كلام ونظم ملحون، وصياغة بيانية أريد لها أن تكون “أكذبه” لتبلغ “أعذبه”.. عندما تمد يدك على استحياء لتدق باب الجار ليستضيفك حتى تنتهي “أشغال الحفر والتعمير” في بيتك فلا يفتح الباب ويتحجج بأنه كان نائما ولم يسمع الجرس! وحين تدقه ألف مرة فيفتح متأففا من أنك العاشر أو الألف ممن يدقون بابه ولا يستطيع أن يؤويك في بيته حتى حين…أو يهملك ببساطة حتى تدرك وحدك أنه لا مكان لك بينهم…بين أصدقاء وجيران من ورق…
حينها تحمل نفسك وفلذات نفسك وتستقل أول وسيلة “إبعاد” تبعدك عن هؤلاء القوم وعن أشغال الحفر والتعمير (التي يأبى صاحب الدار إلا أن ينهيها ولو على جثتك!) وعن كل شيء حتى حين…تحمل ما تبقى من أوراقك وآمالك وترحل، تتمنى الرجوع لكنك في قلبك لا ترغبه إلا لأنك تعلم أنك ستكون دائما غريبا “ثقيلا” في ضيافة أناس يدّعون أنهم بشر، ينظرون إليك على أنك عبئ على أكتافهم ، مع أنك تحمل نفسك وتحمل معها أعباء همّ ثقيل ..لكنك لا تملك إلا أن تحملها وتتحملها حتى حين…
حين يبلغ اليأس مداه وتنظر إلى الأفق فلا تراه، وتحاول أن تتخيل بابا للأمل فلا ترى أمامك إلا بحرا “شو كبيييير” ولا أحد “وسع البحر” يحبك!! حينها تحمل نفسك وفلذات نفسك وهمك الثقيل وترحل…تركب قاربا تعلم أن همك الثقيل سيخرقه ولكنك تركب وترسم الأمل كذبا لأنك لا تملك إلا أن تكذب، وتتخيل أنه على الضفة الأخرى هناك بشر مختلفون!!.. ينطلق قاربك “الملعون” ببركات الأحباء والأشقاء، ينطلق في موج لا تراه لإن أفقك توقف عند حدود عيني أطفالك،، تراقبهم وتتخيل أنهم هناك في الضفة الأخرى سيجدون كوب حليب ولحافا دافئا…هناك سيحملون على أكتافهم حقيبة مدرسية بدل همّ حملوه باكرا…سيدرسون ويكبرون وينسون…على أمل أنت وتحلم …..ربما يتحقق وغالبا سيعود الموج بك وبفلذاتك مرميا على شاطئ غريب…

منذ أسابيع، وكأن الكون يشير إلي بما سيحدث… صادف أن سمعت مقطعا من أغنية قديمة لم أسمعها من قبل، شدتني كلماتها، لم أسمع سوى هاته الكلمات “الحوت خير من الدود” وبعد أيام بحثت عنها على الانترنت ووجدتها وليتني لم أجدها…الأغنية ترثي “الحراقة” وهم فئة من شباب دولنا الحبيبة في شمال افريقيا ضاقت بهم السبل فآثروا الرحيل في قوارب الموت إلى مستقبل مجهول لأن “المستقبل مسدود” كما تقول الأغنية … و”الحوت خير من الدود” أي أنهم يفضلون أن يأكلهم السمك (الحوت) على أن يموتوا بأرض لا أمل لهم فيها ويأكلهم الدود…هي ميتة واحده فخير أن يجرب السعي إلى الأمل، حتى لو كان أملا كاذبا….. يسمونهم “الحراقة” لأنهم يحرقون كل متعلقاتهم وأوراقهم قبل الرحيل حتى تضيع هويتهم ولا يتعرف إليهم أحد،، يبدأون حياة جديدة،، يأملون أنهم كطائر الفينيق سيبعثون من رماد ما أحرقوه…
بكيت بحرقة ومسحت دموعي ولم أغير في الكوكب ساكنا…..
استمعوا إلى الأغنية، وابكوا….ابكوا بحرقة…ليس على “الحرّاقة” ولكن على أنفسكم وأنتم تتركون أهلكم يؤثرون الحوت على الدود حتى لا يذروا لكم قبرا تنتحبون عنده!!!
تبا لكم!!!

رابط الأغنية بصوت الشاب خالد (الأغنية الأصلية لفنان جزائري قديم رابح درياسه)

سبتمبر 6, 2015

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *