Monthly Archives: سبتمبر 2015

إجازة وبنزين ..!!

يفاجئك بعضهم بأقوال طنانة رنانة تتغنى بالنجاح والكفاح والتضحية والحنين والأنين (وكل كلام له رنين!) حتى تكاد تشك في أنك عديم المروءة عديم الإحساس، لا نُبل في نفسك ولا كرامة لك ولا إيثار في أخلاقك…وتجلد نقسك بالتساؤل أيعقل أن يكون هؤلاء أكثر حبا للخير من بقية البشر؟ أيعقل أن يكون هذا الرجل أكثر فطنة ودهاءا وذكاءا وانتباها لخير الأمة من الأمة كلها؟؟!؟!؟ لكن تفكيري المتأني فاجأني برد بسيط: “كلام، والكلام ما عليه ضريبة!!”

نعم يا صديقي إنه مجرد كلام، سواء أكان صاحبه يعي ما يقوله ويقصده دون أن ينتبه لتفاصيله، أو كان فقط يقوله ليخلق زوبعة في فنجان ويشار إليه بالبنان…عموما في الحالتين فقط نجح صديقنا الكاتب الصحفي الذي لم يسمع به كثيرون قبل أن يتغنى بمطالبه الوطنية في أن يصبح حديث الساعة، ليس لعبقرية اقتراحاته ونذرة أن يأتي الزمان بمثلها ولكن لما فيها من غرابة ولتوقيتها الغير المناسب البتة البتة!! الأخ المذكور  لمن لا يعرف الموضوع، طالب بتقليص الإجازات ورفع الدعم عن البنزبن.

لن أدخل في جدال مع أهل الكلام، فقد علمني الزمن أن أهل الكلام يحبون الجدال ويبرعون في مطّه ومدّه وشدّه وردّه، وأنا لا أملك من الوقت والصبر ما يكفي لتحمل أي منها، ولكنني سأجيب على اقتراحاته الشديدة “الروعة” (لا ننكر أن فيها شيئا من الروعة، سوءا رائعة أو مريعة!!) بجمل هي كالأتي:

قبل أن نتكلم بلسان الطبقة الكادحة نحتاج أن نكون واحدا منها، وقبل أن نطالب ب”جز” إجازات الشعب، ندعوك لتعيش سنة من الدوام المتواصل، لأن الزمرة “الحرة” تقول ما تقوله دون وعي لما يترتب على ذلك، فليس من سمع كمن رأى وليس من رأى كمن داوم!!

حين نتحدث عن حب العمل والتفاني والإخلاص فيه، فلا داعي لإقحام الإجازات، فحب العمل والتفاني فيه يكون بالإنتاجية وليس بعدد الأيام والساعات، وكلنا يعرف أشخاصا يعملون ساعات طوالا ولكن دون نتيجة وهذا ما يجب أن يهتم به الأخ الكاتب.. فالإجازات شرعت لتكون تجديدا لطاقة الموظف والعامل ولم تشرع اعتباطا… كما أن الاحتفال ببعض المناسبات ليس “مضيعة للوقت” كما يظنها الأخ الكاتب، فهناك شيء يدعى “عيد” وهذا الشيء له طقوس، وهذه الطقوس لها مستلزمات، وهذه المستلزمات تتطلب وقتا وهذا الوقت يستدعي إجازة! وقبل أن نتحدث عن الانتاجية ونصم البلد بأنه بلد إجازات لننظر إلى الدول “المتقدمة” والصناعية والتي تتزعم اقتصاد العالم، فخلال عيدهم “الكبير” تمنح إجازات تتجاوز الأسبوع، ولا أحد يصفها بأنها دولة إجازات!!

هناك دائما وسائل سلسة وبسيطة للحفاظ على سير العمل وزيادة الانتاجية، لكن خبرتي في عالم العمل تقول أن أغلبهم (ولن أحدد من “هم”) يظنون أن طول ساعات العمل مرادف لزيادة الإنتاج وهو ظن كله إثم!! فالإنتاجية تقاس بتقليص دائرة العمل، وابتكار طرق مبسطة للعمل، والاستغناء عن التكرار والبيروقراطية وغيرها من الممارسات التي تسحق الوقت والموظف ولا تأتي بخير!!

ربما يستحب لبعض القطاعات أن لا تنقطع عن العمل مدة طويلة، وهذا يمكن تنسيقه ضمن القطاع ذاته بتوفير مكاتب مداومة خلال الإجازات، بما يفي بالحالات الطارئة والعاجلة وليس بحرمان الجميع من الإجازة ليتواجدوا في دوام يمضون تسعة أعشاره في التذمر منه!!

حين تطالب برفع الدعم عن البنزين، قد نفهم أنه اقتراح لتخفيف عبئ ميزانية الدولة، ولكنه الأسلوب يا أخي، الأسلووب والتوقيت!…يبدو أن أخانا في الله لديه مشكلة في انتقاء أسلوب الطرح وتوقيته… ومثلما دعى نائب سويسري إلى منح الشعب جميعا راتبا شهريا ليتمتع الشعب براحة البال ويحيى في هناء وسرور، دعا أخونا في الله إلى رفع الدعم عن البنزبن…. إنها كلمة هو قائلها… رفع الدعم أو منح راتب رفاهية أمر تدرسه الجهات الاستشارية والمختصة للدولة، وقد تقره أو ترفضه ولا يبقى من الكلمة إلا ريحها لقائلها…طيبة أو غير طيبة!!

سواء كان لما كتبته يد في انكماش الإجازة أو لم يكن له يد، نبشرك أنك كنت حاضرا في كل بيت هذا العيد، وذُكرت بما تيسر، تقبل الله!

“حين يرفع الدعم عن بنزين سيارة موظف محروم من إجازة العيد، قد يشتعل ذاتيا ويحترق!!”

الحوت خير من الدود

Published Post author

nullnull

حين تُقفل أبواب الأمل في وجهك ويعطيك أهلك وجيرانك ظهرهم وأنت في أمس الحاجة، ويظهر أنْ ليس لك صديق في وقت الضيق، وأن كل كلام الأغاني وشعارات الأناشيد الوطنية العروبية مجرد كلام ونظم ملحون، وصياغة بيانية أريد لها أن تكون “أكذبه” لتبلغ “أعذبه”.. عندما تمد يدك على استحياء لتدق باب الجار ليستضيفك حتى تنتهي “أشغال الحفر والتعمير” في بيتك فلا يفتح الباب ويتحجج بأنه كان نائما ولم يسمع الجرس! وحين تدقه ألف مرة فيفتح متأففا من أنك العاشر أو الألف ممن يدقون بابه ولا يستطيع أن يؤويك في بيته حتى حين…أو يهملك ببساطة حتى تدرك وحدك أنه لا مكان لك بينهم…بين أصدقاء وجيران من ورق…
حينها تحمل نفسك وفلذات نفسك وتستقل أول وسيلة “إبعاد” تبعدك عن هؤلاء القوم وعن أشغال الحفر والتعمير (التي يأبى صاحب الدار إلا أن ينهيها ولو على جثتك!) وعن كل شيء حتى حين…تحمل ما تبقى من أوراقك وآمالك وترحل، تتمنى الرجوع لكنك في قلبك لا ترغبه إلا لأنك تعلم أنك ستكون دائما غريبا “ثقيلا” في ضيافة أناس يدّعون أنهم بشر، ينظرون إليك على أنك عبئ على أكتافهم ، مع أنك تحمل نفسك وتحمل معها أعباء همّ ثقيل ..لكنك لا تملك إلا أن تحملها وتتحملها حتى حين…
حين يبلغ اليأس مداه وتنظر إلى الأفق فلا تراه، وتحاول أن تتخيل بابا للأمل فلا ترى أمامك إلا بحرا “شو كبيييير” ولا أحد “وسع البحر” يحبك!! حينها تحمل نفسك وفلذات نفسك وهمك الثقيل وترحل…تركب قاربا تعلم أن همك الثقيل سيخرقه ولكنك تركب وترسم الأمل كذبا لأنك لا تملك إلا أن تكذب، وتتخيل أنه على الضفة الأخرى هناك بشر مختلفون!!.. ينطلق قاربك “الملعون” ببركات الأحباء والأشقاء، ينطلق في موج لا تراه لإن أفقك توقف عند حدود عيني أطفالك،، تراقبهم وتتخيل أنهم هناك في الضفة الأخرى سيجدون كوب حليب ولحافا دافئا…هناك سيحملون على أكتافهم حقيبة مدرسية بدل همّ حملوه باكرا…سيدرسون ويكبرون وينسون…على أمل أنت وتحلم …..ربما يتحقق وغالبا سيعود الموج بك وبفلذاتك مرميا على شاطئ غريب…

منذ أسابيع، وكأن الكون يشير إلي بما سيحدث… صادف أن سمعت مقطعا من أغنية قديمة لم أسمعها من قبل، شدتني كلماتها، لم أسمع سوى هاته الكلمات “الحوت خير من الدود” وبعد أيام بحثت عنها على الانترنت ووجدتها وليتني لم أجدها…الأغنية ترثي “الحراقة” وهم فئة من شباب دولنا الحبيبة في شمال افريقيا ضاقت بهم السبل فآثروا الرحيل في قوارب الموت إلى مستقبل مجهول لأن “المستقبل مسدود” كما تقول الأغنية … و”الحوت خير من الدود” أي أنهم يفضلون أن يأكلهم السمك (الحوت) على أن يموتوا بأرض لا أمل لهم فيها ويأكلهم الدود…هي ميتة واحده فخير أن يجرب السعي إلى الأمل، حتى لو كان أملا كاذبا….. يسمونهم “الحراقة” لأنهم يحرقون كل متعلقاتهم وأوراقهم قبل الرحيل حتى تضيع هويتهم ولا يتعرف إليهم أحد،، يبدأون حياة جديدة،، يأملون أنهم كطائر الفينيق سيبعثون من رماد ما أحرقوه…
بكيت بحرقة ومسحت دموعي ولم أغير في الكوكب ساكنا…..
استمعوا إلى الأغنية، وابكوا….ابكوا بحرقة…ليس على “الحرّاقة” ولكن على أنفسكم وأنتم تتركون أهلكم يؤثرون الحوت على الدود حتى لا يذروا لكم قبرا تنتحبون عنده!!!
تبا لكم!!!

رابط الأغنية بصوت الشاب خالد (الأغنية الأصلية لفنان جزائري قديم رابح درياسه)

سبتمبر 6, 2015

“أنا ياباني!!”

Published Post author

في أحد لقاءاتي “التذكارية” مع أحد معارفي اليابانيين، اتصل ليخبرني أنه سيزور البلد الشهر المقبل…نعم أخبرني شهرا قبل الوقت المحدد… وقال أنه خلال التواريخ المحددة سيكون متواجدا ويرغب في ” السلام علي” وأخبرني أن أحدد وقتا يناسبني…وطبعا وبعد الاطلاع على جدول أعمالي الغريب وبعد أسبوع أو أكثر أخبرته بالوقت المناسب اليوم الفلاني الساعة الرابعة أو الخامسة…نعم جعلته موعدا مطاطا حتى لا ألزمه بتوقيت محدد وحتى يختار الأنسب لكنه وافق على الموعد بجملته وترك لي خيار “المطاطية” في الموعد…وجاء الوقت المناسب وانطلقت إلى مكان اللقاء متأخرة عن الموعد وفي بالي أنه لم يتصل وسيكون هناك بين الساعة الرابعة والخامسة… قبل وصولي وردني اتصال من رقم محلي افترضت أنه رقمه ولم أرد طبعا لأنني كنت أسوق السيارة …وصلت إلى المكان الموعود ودخلت “الكوفي شوب” لم يكن هناك … فافترضت أنه لم يصل بعد، وعلت وجهي ابتسامة الرضا.. ولكن قبل أن أجد مكانا لأجلس فيه وجدته أمامي يحييني “بركعته” اليابانية الشهيرة التي تجعلني أستحيي من طول قامتي ..حييته بإيماءة مماثلة ولكنها على مستوى الرأس فقط (ولا تصل إلى الركوع نظرا لما في الأمر من اشتباه وكلام كبير عريض) ثم سألته متى وصلت؟ قال الرابعة تماما…قلت: آسفة ظننت أنك ستتأخر لأننا لم نحدد الساعة بالظبط ، لم أكن أريد أن ألزمك بساعة محددة، فقال : وصلت الرابعة تماما ، أنا ياباني!!…لا أدري هل كان وصفا له أم مسبة لي!! ولنا جميعا!!! لماذا يلتزم الياباني بالوقت بالدقيقة والثانية حتى في مواعيده “الفليكسيبل” بينما “نمطها ” نحن حتى في المواعد الصارمة ونتركها ” على الله” …
في لقاءاتي مع أغلب معارفي العرب على اختلاف مشاربهم وطوائفهم، لم يحدث أن التقينا على الوعد، فإما أن يتأخروا أو أن أتأخر (مع أنني غالبا أصل قبل أغلبهم إلا في حلات القوة القاهرة!) في إحدى محاولاتي الفاشلة لتأديب إحدى صديقاتي التي “تلطعني دائما في انتظارها قررت أن أتأخر عمدا وذهبت متأخرة عن الموعد بأكثر من نصف ساعة وكانت المفاجأة أنها لم تصل بعد وجلست كالعادة أعد الخراف حتى تصل!!! أشعر أنه طقس مقدس في لقاءاتنا، ويجب علينا احترامه وأن اللقاء في الوقت المحدد يجلب النحس، أو يؤدي إلى الخسوف!!
في بعض (أو كل ) بلداننا العربية يعتبر عيبا أن تصل في الموعد المحدد ، خاصة في “العزومات” (عقلية غريبة لا أجد لها معنى ولا تفسيرا) فأنت بمحض إرادتك تحدد الموعد وتقول لضيفك تعال الساعة السابعة ثم تتضايق إن وصل قبل الثامنة!!! طبعا، من حقك أن تغضب، فكيف لا يحترم هذا الضيف العرف الشفاهي المتداول بأن يتأخر على الأقل ساعة وأن لا يزيد عليها لأنه يصير قليل أدب إن تأخر أكثر..وأحيانا تختلف مقاييس التأخير بين المضيف والضيف فتصير قليل أدب في كل الأحوال!! وتفضل أن لا تدعو أحدا وأن لا يدعوك أحد وتعيش في البراري بين التيوس والخرفان والديكة التي تحترم مواعيد الآذان ولا تخلو من لائميها لماذا تصيح في هذا الوقت!!.

سبتمبر 2, 2015