الحرية!

دخلت في نقاش مع نفسي المتمردة فسألتها وسألتني ما الحرية؟؟؟ قالت: أن أفعل ما أشاء وقت أشاء وكيفما أشاء!! نظرت إليها عاتبة وقلت ألا تأخذين برأيي؟؟ قالت بلى ولكنني كما يقول المثل “اسألها ولا تأخذ برأيها” وضحكت ضحكة حقيرة جعلتني أرغب في خنقها وإطباق إبهامي يدي على حنجرتها حتى أسمع صوت هدوء أنفاسها لكنني تذكرت أنها مني وأنني منها وأنها أنا وأنا هي..ثم تذكرت أننا نتكلم عن الحرية! أو ليس من أبسط الحريات حرية التعبير؟؟ كيف أتحدث عن الحرية وأنا حتى لا أستطيع تحمل رأيي بيني وبين نفسي!! تبا لي من دكتاتورية مستبدة!! سأعيد الكرّة، لنبدأ من جديد…

ما الحرية؟: قلت لنفسي وأنا أرسم على وجهي ملامح الفقيه العارف بخبايا الكون وكنه الأشياء (جميلة كنه الأشياء هذه!! كلمة لزيادة الإحساس بالعبقرية والحكمة!) قلت: الحرية أن أتصرف في أمور حياتي بما يريحني ويضمن تحقيق أهدافي دون أن أضر بغيري ولا أن أمس بحريته! ابتسمت نفسي وأجابتني كمن يترصد زلاتي: لا يمكنك تحقيق أهدافك دون أن تضر بحرية غيرك!

  • ولم ذلك؟! بل يمكنني ممارسة حريتي دون الإضرار بغيري
  • ربما لن تضره ولكنك حتما ستنقص من حريته
  • وكيف ذلك؟
  • سأعطيك مثلا: حين ترغب في سماع الموسيقى بصوت صاخب فأنت تجعل الآخرين يتسمعون إليها دون رغبتهم ، ربما يكون هناك الكثير ممن لا يمانعون ولكن حتما هناك من لا يرغب في ذلك وحتى الذين لا يمانعون فأنت فرضت عليهم رغبتك وتدخلت في حريتهم
  • يمكنني الاستماع إليها باستعمال السماعات
  • إذا هنا فقد قيدوا هم حريتك!! فأنت ترغب في الاستماع إليها تحيط بك ودون سماعات وتريدها ترج أرجاء المنزل أو السيارة
  • اممم… وجهة نظر!! ولكن ليست واضحة بما يكفي
  • سأعطيك مثالا آخر، ماذا لو أنك ترغب في السفر حول العالم؟ هل سيكون الأمر سهلا؟؟ طبعا لا !! هناك تأشيرات وحدود ومطارات وكلها تقييد لحريتك
  • أجل لا تذكريني بمسألة التأشيرات والمطارات!! أرى أنك هنا توافقينني الرأي ولست تخالفينني، فهذا انتهاك لحرية الأفراد!
  • أجل ولكنها حرية السلطات!! فكل دولة تعبر بمنتهى “الحرية” عن حريتها” في اختيار من يدخل بلدها ممن لا يدخل وحرية المطارات في رفع ضغطك وتفتيشك وإدخالك من عشر بوابات وتسع نقط تفتيش وخمس آلات تصوير وغيرها من الاحترازات التي تضمن “حرية التنقل” للأفراد دون أن يتعرضوا للخطر
  • صحيح، فهنا وجهة النظر مختلفة! يعتبرون أنه حفاظ على سلامة الأفراد..ولكن هذا لا يمنع أننا كأفراد حين نتفهم الوضع ونتقبله لا يشكل ذلك مشكلة
  • حقا ؟؟! ولكن في النهاية هم يحدون من حريتك! ألا تشعر برغبة في صفع المسؤول الذي يطبع ختم مرفوض على جوازك!؟!؟
  • اممم…أجل! هههههه ولكن حريتي هنا ستضر بالآخرين.
  • حسن!! سأعطيك مثالا آخر: تدخل مطعما وتطلب طبقك المفضل بكل حرية وتبدأ الأكل بمنتهى الحرية وتصدر أصواتا فينزعج الحاضرون…أليس هذا مساسا منهم بحريتك ومساسا منك بحريتهم؟؟
  • أجل ولكننا اتفقنا أن الحرية تنتهي عند حرية الآخرين
  • يا عزيزي لا حدود للحرية ، الحريات متداخلة! وما تسميه أنت حرية حتما يتداخل إلى حرية شخص آخر وينتقص منها بشكل أو بآخر واحترامك لحريته ينتقص من كمال حريتك!! أدرك أنك لن تفهم المغزى ، فمخك سميك!!
  • توقفي عن ذلك أنت الآن تضرين بي ولست حرة في قول ما تشائين..
  • وأنت الآن تمنعني من ممارسة حريتي بالتعبير عن الوصف الصحيح لك ههههه ..أرأيت! الحياة تجبرنا حتى على انتقاء كلمات دون أخرى!! ليس لنا حرية في قول ما نشاء!!
  • دعينا من هذا …حدثيني عن الحرية بمعناها الكبير
  • تقصد الحرية بمعناها السياسي الخطير هههه
  • أجل! هل ترين أن هناك حرية
  • لا أعرف ولكنني أظن أن لا وجود للحرية المطلقة…هي دائما نسبية يا عزيزي…أكبر تعابير الحرية : الديموقراطية! هل الديموقراطية تضمن الحرية؟
  • أظن ذلك
  • لا بل هي تكرس وأد الحرية، فهي تغصب ما يصل إلى 49% من الناس على التعايش مع حاكم أكدوا أنهم لا يرغبون فيه!!
  • اممم… ولكن تلك مسألة أخرى…فهذا لا يمس بحريتهم الأساسية
  • بل يمس بأولى حرياتهم، اختيار من يمثلهم ويحرك البلاد باسمهم! ثم أن حريتك في الحصول على رخصة أو تصريح أو غيرها تصطدم بقانون أنت غير راض عنه، وضعه أشخاص لم تخترهم ولم توافق على قراراتهم..أنت تمارس حرية القطيع
  • حرية القطيع؟!
  • أجل!! تتبع القطيع ولك الحرية التامة أن تمشي داخله وحسب أوامره وأنت معتقد كل الاعتقاد أنك حر..ولكنك لست كذلك… إنها نسبية يا عزيزي…نسبية!!
  • ربما ذلك صحيح، لكنني أتمتع بالحرية في اختيار ما هو متاح..
  • ما تعتقد أنه حرية هو وهم حرية.. أنت تعمل حسب توقيت لم تحدده أنت وأيام لم تخترها، وتأخذ الإجازة بعد الخضوع لنزوات مديرك وتضطر لتسول موافقته على حق من حقوقك، وتلبس ما يحدده مصممو الأزياء وخالقو الموضه وأنت مقتنع أنه يعجبك، لكنه ليس أكثر من أفضل الموجود أو أفضل “المفروض” عليك، حتى عندما تأكل فأنت لست حرا تماما، بل يحكمك الأكل المتوفر، والخوف من المرض وقيمة الأكل، وتوقيته وظروفه… في الزواج أيضا، قد ترغب في الزواج من شخص لكنه يرفضك فأنت محكوم بتراضي الطرفين…والبيع والشراء ، قد ترغب في امتلاك شيء لكن صاحبه “حر” في أن يمنعك! هناك أشياء كثيرة تقيد حريتك: المجتمع ، الصحة، الأعراف، المال، الأخلاق، القوانين، الغباء، الوقت، المكان، الزمان، الجو….. إنها نسبية يا عزيزي نسبيييييية!!
  • إذا لا وجود للحرية المطلقة
  • مارأيك أنت؟! وضحكت ضحكة مدويه!!
  • تبا لك!!

 

أغسطس 23, 2015

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *