Monthly Archives: أغسطس 2015

الحرية!

Published Post author

دخلت في نقاش مع نفسي المتمردة فسألتها وسألتني ما الحرية؟؟؟ قالت: أن أفعل ما أشاء وقت أشاء وكيفما أشاء!! نظرت إليها عاتبة وقلت ألا تأخذين برأيي؟؟ قالت بلى ولكنني كما يقول المثل “اسألها ولا تأخذ برأيها” وضحكت ضحكة حقيرة جعلتني أرغب في خنقها وإطباق إبهامي يدي على حنجرتها حتى أسمع صوت هدوء أنفاسها لكنني تذكرت أنها مني وأنني منها وأنها أنا وأنا هي..ثم تذكرت أننا نتكلم عن الحرية! أو ليس من أبسط الحريات حرية التعبير؟؟ كيف أتحدث عن الحرية وأنا حتى لا أستطيع تحمل رأيي بيني وبين نفسي!! تبا لي من دكتاتورية مستبدة!! سأعيد الكرّة، لنبدأ من جديد…

ما الحرية؟: قلت لنفسي وأنا أرسم على وجهي ملامح الفقيه العارف بخبايا الكون وكنه الأشياء (جميلة كنه الأشياء هذه!! كلمة لزيادة الإحساس بالعبقرية والحكمة!) قلت: الحرية أن أتصرف في أمور حياتي بما يريحني ويضمن تحقيق أهدافي دون أن أضر بغيري ولا أن أمس بحريته! ابتسمت نفسي وأجابتني كمن يترصد زلاتي: لا يمكنك تحقيق أهدافك دون أن تضر بحرية غيرك!

  • ولم ذلك؟! بل يمكنني ممارسة حريتي دون الإضرار بغيري
  • ربما لن تضره ولكنك حتما ستنقص من حريته
  • وكيف ذلك؟
  • سأعطيك مثلا: حين ترغب في سماع الموسيقى بصوت صاخب فأنت تجعل الآخرين يتسمعون إليها دون رغبتهم ، ربما يكون هناك الكثير ممن لا يمانعون ولكن حتما هناك من لا يرغب في ذلك وحتى الذين لا يمانعون فأنت فرضت عليهم رغبتك وتدخلت في حريتهم
  • يمكنني الاستماع إليها باستعمال السماعات
  • إذا هنا فقد قيدوا هم حريتك!! فأنت ترغب في الاستماع إليها تحيط بك ودون سماعات وتريدها ترج أرجاء المنزل أو السيارة
  • اممم… وجهة نظر!! ولكن ليست واضحة بما يكفي
  • سأعطيك مثالا آخر، ماذا لو أنك ترغب في السفر حول العالم؟ هل سيكون الأمر سهلا؟؟ طبعا لا !! هناك تأشيرات وحدود ومطارات وكلها تقييد لحريتك
  • أجل لا تذكريني بمسألة التأشيرات والمطارات!! أرى أنك هنا توافقينني الرأي ولست تخالفينني، فهذا انتهاك لحرية الأفراد!
  • أجل ولكنها حرية السلطات!! فكل دولة تعبر بمنتهى “الحرية” عن حريتها” في اختيار من يدخل بلدها ممن لا يدخل وحرية المطارات في رفع ضغطك وتفتيشك وإدخالك من عشر بوابات وتسع نقط تفتيش وخمس آلات تصوير وغيرها من الاحترازات التي تضمن “حرية التنقل” للأفراد دون أن يتعرضوا للخطر
  • صحيح، فهنا وجهة النظر مختلفة! يعتبرون أنه حفاظ على سلامة الأفراد..ولكن هذا لا يمنع أننا كأفراد حين نتفهم الوضع ونتقبله لا يشكل ذلك مشكلة
  • حقا ؟؟! ولكن في النهاية هم يحدون من حريتك! ألا تشعر برغبة في صفع المسؤول الذي يطبع ختم مرفوض على جوازك!؟!؟
  • اممم…أجل! هههههه ولكن حريتي هنا ستضر بالآخرين.
  • حسن!! سأعطيك مثالا آخر: تدخل مطعما وتطلب طبقك المفضل بكل حرية وتبدأ الأكل بمنتهى الحرية وتصدر أصواتا فينزعج الحاضرون…أليس هذا مساسا منهم بحريتك ومساسا منك بحريتهم؟؟
  • أجل ولكننا اتفقنا أن الحرية تنتهي عند حرية الآخرين
  • يا عزيزي لا حدود للحرية ، الحريات متداخلة! وما تسميه أنت حرية حتما يتداخل إلى حرية شخص آخر وينتقص منها بشكل أو بآخر واحترامك لحريته ينتقص من كمال حريتك!! أدرك أنك لن تفهم المغزى ، فمخك سميك!!
  • توقفي عن ذلك أنت الآن تضرين بي ولست حرة في قول ما تشائين..
  • وأنت الآن تمنعني من ممارسة حريتي بالتعبير عن الوصف الصحيح لك ههههه ..أرأيت! الحياة تجبرنا حتى على انتقاء كلمات دون أخرى!! ليس لنا حرية في قول ما نشاء!!
  • دعينا من هذا …حدثيني عن الحرية بمعناها الكبير
  • تقصد الحرية بمعناها السياسي الخطير هههه
  • أجل! هل ترين أن هناك حرية
  • لا أعرف ولكنني أظن أن لا وجود للحرية المطلقة…هي دائما نسبية يا عزيزي…أكبر تعابير الحرية : الديموقراطية! هل الديموقراطية تضمن الحرية؟
  • أظن ذلك
  • لا بل هي تكرس وأد الحرية، فهي تغصب ما يصل إلى 49% من الناس على التعايش مع حاكم أكدوا أنهم لا يرغبون فيه!!
  • اممم… ولكن تلك مسألة أخرى…فهذا لا يمس بحريتهم الأساسية
  • بل يمس بأولى حرياتهم، اختيار من يمثلهم ويحرك البلاد باسمهم! ثم أن حريتك في الحصول على رخصة أو تصريح أو غيرها تصطدم بقانون أنت غير راض عنه، وضعه أشخاص لم تخترهم ولم توافق على قراراتهم..أنت تمارس حرية القطيع
  • حرية القطيع؟!
  • أجل!! تتبع القطيع ولك الحرية التامة أن تمشي داخله وحسب أوامره وأنت معتقد كل الاعتقاد أنك حر..ولكنك لست كذلك… إنها نسبية يا عزيزي…نسبية!!
  • ربما ذلك صحيح، لكنني أتمتع بالحرية في اختيار ما هو متاح..
  • ما تعتقد أنه حرية هو وهم حرية.. أنت تعمل حسب توقيت لم تحدده أنت وأيام لم تخترها، وتأخذ الإجازة بعد الخضوع لنزوات مديرك وتضطر لتسول موافقته على حق من حقوقك، وتلبس ما يحدده مصممو الأزياء وخالقو الموضه وأنت مقتنع أنه يعجبك، لكنه ليس أكثر من أفضل الموجود أو أفضل “المفروض” عليك، حتى عندما تأكل فأنت لست حرا تماما، بل يحكمك الأكل المتوفر، والخوف من المرض وقيمة الأكل، وتوقيته وظروفه… في الزواج أيضا، قد ترغب في الزواج من شخص لكنه يرفضك فأنت محكوم بتراضي الطرفين…والبيع والشراء ، قد ترغب في امتلاك شيء لكن صاحبه “حر” في أن يمنعك! هناك أشياء كثيرة تقيد حريتك: المجتمع ، الصحة، الأعراف، المال، الأخلاق، القوانين، الغباء، الوقت، المكان، الزمان، الجو….. إنها نسبية يا عزيزي نسبيييييية!!
  • إذا لا وجود للحرية المطلقة
  • مارأيك أنت؟! وضحكت ضحكة مدويه!!
  • تبا لك!!

 

أغسطس 23, 2015

بالروح بالدم!!

Published Post author

مع بداية أولى لفحات الصيف الجميل الذي لا يبرح أرض الخليج إلا لأسابيع معدودات ليعود وكله شوق لإحراق ما تبقى من وجوهنا الصبوحة (؟!) ومع بداية نسائم الحر المشتعلة اشتياقا إلى دفئ اللقاء بنا، أتذكر فصل الربيع، هذا الفصل الذي لم أعد أذكره جيدا لطول مكوثي بالمنطقة، حتى أصبحت أسناني تصطك لأقل نسمة باردة واختلط علي الربيع والصقيع! أتذكر أنه كان فصلا جميلا، مزهرا نديا مليئا بالألوان، مليئا بالطيور والفراشات، والنسائم الباردة التي تدغدغك صباحا لتبتسم دونما سبب وتشعر بارتياح غريب… فصل الربيع الهادئ الجميل… وأتذكر الربيع العربي، وهنا أقف عند سؤال عكر ربيعي وصيره خريفا مرعدا ماطرا: من خرج بعبارة الربيع العربي؟!!

لا أدري من أي الأوجه رآه ربيعا؟! بعيدا عن الفلسفات اللغوية والفذلكات التصورية، فإنني لا أرى فيه شيئا من الربيع ولا حتى الصيف!! إنه فصل أعاصير وأمطار رعدية، إنه لقاء كاترينا بساندي، ليس فيه من هدوء الربيع وجماله شيء… الأمة ثائرة، والكل يصرخ حتى لم يبق من يستمع ولم يعد هناك أمر لا يدعو للثورة والاحتجاج: تستيقظ صباحا لتجد الماء مقطوعا بسبب انفجار أنبوب الماء الرئيسي نتيجة حادث سير فتقرر أن تحتج وتثور، أو تذهب لتشتري خبزا فتجد درجة حرارته ليست كما تحب وتشتهي فتثور…هكذا هي الثورة هذه الأيام، فقد اختلط الحابل بالنابل والثائر بالثور، فلا تدري من هو على حق ممن هو فقط طبل يدوي عن فراغ! أذكر في أيام الشباب -ألا ليت الشباب يعود- حين كانت درجة الذكاء أعلى (حسب ظننا في ذلك الآن، وهو ما دحضته الأيام!) وكانت الحماسة أعلى وأعلى فكنا لا نرضى الظلم ولا نسكت على الإهانة، فكانت الثورات موسمية تتراوح بين الخاطفة والطويلة المملة، فكنا نخوض مظاهرات لا تعد ولا تحصى ونطالب بكل شيء وحماسة الشباب تملؤنا، ونتلو الشعارات صراخا ونصرخ في وجه قوات حفظ الأمن الحنونة أحيانا والثائرة أحيانا أخرى، قوات الأمن التي لا أدري من أين كانت تأتي ببرود أعصابها لتتحمل غباءنا وأصواتنا المزعجة، (والتي كانت تنفجر غضبا أحيانا أخرى لتجهز على أحدنا ضربا لنجد حجة جديدة للثورة ونغذي عجلة الثورة وحاجتنا للتظاهر!).

أنا شخصيا شاركت في عدة مظاهرات وها أنا اليوم أبرئ ذمتي وأشهد أني والزمرة الصارخة معي الهاتفون بحقوق المرأة والطفل والشجرة…. المطالبون بتحرير فلسطين وإغاثة أبناء الصومال وغيرها من المطالب الشجاعة البراقة، أشهد أنني وأننا كنا جزءا من قطيع يقوده ثور هائج لا ندري مانواياه، صالحة أم طالحة، ولا ندرك ما الهدف من مظاهراتنا وصياحنا، بل كنا مجاميع (كومبارس كما يدعون في لغة الأفلام) نصرخ حين يقول القائد شيئا ونركض حين يركض مَن أمامنا ونختبئ حين يركض خلفنا رجال الأمن، كنا نهتف “بالروح بالدم” وليس في هتافنا روح ولا “عندنا دم”، لم يكن في عقولنا حينها غير الفرار من الدراسة والحصول على إجازة “ثورية” و”فش الغل” في مدير الثانوية أو عميد الجامعة والانتقام من المؤسسة التعليمية كلها لسبب وبدون سبب، فكانت فرصة لأنصار التدمير لتكسير النوافذ والسيارات دون عقاب، فالفاعل “أعمال شغب جماعي” أو “مظاهرات طلابية” الفاعل فيها مجهول، و فرصة لأعداء هيئة التدريس للبوح بقبيح الألقاب وسب الفراش والمدير والعميد على السواء دون الحصول على جائزة الرفد أو الفصل من الدراسة.

كانت ثوراتنا متنفسا طفوليا لا نهدف من ورائه إلى شيء، ولا ندري هل هي مجرد هتافات أم هناك أهداف لا نعلمها يُخطَّط لها ونكون نحن حطبا لنار لا نعلم من ستحرق، نحن فقط نتبع قائد القطيع و”نبعبع” خلفه مبتسمين!…. لا أظن أن ربيعنا العربي يختلف عن ربيعنا الطلابي، في كل ربيع قطيع وقائد، القائد يركض وينطح، والقطيع يبعبع وينطح.. وللراعي الله!!

كلمة: الحمى العربية وصف أقرب إلى الواقع، فهي مُمْرضة وتنتقل عدواها بين الأقارب، وهدفها قتل المرض في الجسم ورفع مناعته، لكنها تقتل أحيانا إن زادت عن الحد… لفح النار ورائحة البارود لا يمكن أن يكون ربيعا!

أغسطس 17, 2015