لطالما اتهمتني العصبة من أولي القوة “الحضارية” و”الهاي كلاس” أنني معقدة ومتخلفة حضاريا ولا علاقة لي بالناس “الكول” مع أنني أعد نفسي من الناس “السوبر كول” .. لكن واويح قلبي لم أنجح في اختبارات مقياس “الكول” الدولية ولم أحصل على اعتراف يجعلني في مصاف الناس ” اللزجة” ذوي العبارات الرشيقة والرقيقة والتي تنقلهم من موقعهم الذي يستحقونه بحكم قيمتهم الحقيقية – وهو الموقف الخلفي لعربات نقل الخضار- إلى قلب الدار وتحت بؤرة الضوء!
حين تدخل على مجموعة بشرية وتحييهم ب” صباح الخير” تكاد تشعر بأنك الرجل الخفي أو نسمة هواء دافئة لا يشعر بها أحد، وتجلس إليهم مدة تحادثهم وتسأل عن أشياء لا تبدى لك، ليس لأنها ستسوءك ولكن لأنك لا تستحق عناء الرد عليك! وأمثالك من الناس “الغير الكول” لا بأس في ” تطنيشهم سويعات قليلة!
ثم يدخل الرجل المشع، بسحنته المدهونة بملمع أحذية قوي، وشعر محنط في تسريحة لا تهزها الريح!!ويلقي بعبارته الفاتنة الساحرة التي تأسر القلوب وتشد إليه العيون كلها حتى لا يكاد يرتد إلى أحد من الجالسين طرفه، ولا يتجرأ على أن يحيد بنظره عن قبلة الرجل المشع… قالها بابتسامة الثقة والرضا عن النفس – بل وقمة الرضا وعليا أعاليه!- واستمر ماشيا حتى بلغ صدر المكان وجلس جلسته “الملكية” لاينقصه إلا حاشية وبعض الوزراء… تكلم وقال المزيد من كلماته الساحرة وانطلق الملأ يتساءلون ويتهافتون على أخباره ويتجاذبون معه أطراف الحديث حتى قدت أطرافه …
بينما أنظر أنا إلى الجميع نظرة اليتيم يوم العيد، وأكاد أشفق على نفسي – بل إني أشفق عليها وآسف أشد الأسف – كيف يحاط الرجل المشع بالاهتمام والاحترام ونظرات الإعجاب وكلمات الثناء، بينما أقبع أنا ومفرداتي الكئيبة نجر حقيبة الخيبة الثقيلة ونحاول تلميع ما تبقى من مصطلحات قد تعجب الناس الكول” ولكن قطار العصر فاتنا وبقيت أنا والحقيبة في محطة مهجورة….
سأنتفض!! نعم سأغير جلدي كأفقعى رقطاء وسأساير العصر وألبس جبة الحداثة – ولا لن أعيش في جلباب أمي ولا حتى عباية خالتي أم هاني!- سألبس ثوبا جديدا يناسب المزاج العام ويجعلني أرتقي سلم المجد بل وأركب مصعد المجد… سأغير “ستايلي” وأسلوبي ولن أتكلم بعد اليوم كلمات إلا ورابعها مصطلح كول ولا خمسا إلا وسادسها كلمة رنانة بالحيوية ولا سبعا إلا وثامنها كلمات يرددها مشاهير التواصل الاجتماعي ونجوم المجتمع!! سأنتفض وأنفض غبار التاريخ عن كلماتي، وسأجلوها بلغة عصرية سحرية تغير ملامح وجهي وتكسبني وجاهة لويس الرابع عشر وشهرة دافنشي وربما تجلسني يوما أمام ملكة بريطانيا!!
عموما، تأخرت… أنا “سوبر بيزي” اليوم …سي يو سون …أوو! باي ذا واي : هابي رمضان!!!
من أنت؟!
Publishedيناير 19, 2016 Post authorazizamourassilo
هل عانيت يوما من ضياع هويتك؟؟ لا أقصد بطاقتك الشخصية..ولا أقصد الهوية بالمعنى المعقد…بل أقصد المعنى البسيط: من أنا؟؟؟ هل استيقظت يوما تتساءل من أنا وماذا أنجزت وماذا عملت وماذا أبقيت؟؟؟ مؤكد أننا جميعا نتساءل مثل هذه الأسئلة، لكن الإجابة تختلف من شخص لآخر، فبعضنا يحمل كمية من الغرور تجعله يعتقد أن مجرد وجوده في الكون إنجاز يستحق التوقف عنده ويستحق أن يكتب فيه معلقات ويلهم كتابا وشعراء!! وبعضنا يملك من احتقار الذات ما يجعله يتفه كل إنجازاته ويرى أنه مجرد رقم مضاف إلى عدد سكان الأرض….
أيا كان جوابنا، فالسؤال من أنا يستحق الوقوف عنده…
لا يجب أن تكون حاصلا على شهادات لتكون شخصا مهما ولا أن تكون مالكا لمجموعة شركات، ولا أن تكون مخترعا…… كل منا في هذا الكون له دور…ربما يبدو بسيطا، ربما يبدو لك أنك لم تنجز شيئا لكنك حتما كنت وسيلة في إنجاز كبير لا تعلم أنت نفسك أنك جزء منه…أعتذر فلن تحصل على الثناء ولا على المقابل المادي!! آلاف النحلات يصنعن قرص عسل ويأتي ذلك الصنديد الشجاع المغامر الذي يجده فجأة فيحصل على الثناء لأنه وجد قرص عسل من نوع نادر!! هكذا هي الدنيا!
مئات الموظفين يعملون وينجزون ويحصل مدير المؤسسة على الثناء والتقدير… موظف بسيط يأتي بفكرة عبقرية يقتنصها رجل أعمال يملك المال لتنفيذها فيذوب اسم الرجل البسيط ويلمع اسم رجل الأعمال…
هويتك هي أنت، بضعفك وقوتك، بذكائك وغبائك، بغناك وفقرك… لا تدع الأضواء تخدعك… أنت مؤثر مهما ظننت أنك عديم التأثير!!
إرهابية!
Publishedديسمبر 20, 2015 Post authorazizamourassilo
حين تنتمي لطائفة أو مجموعة فأنت رغما عنك تحمل كل ما تحمله هذه المجموعة من صفات حتى ولو لم يكن فيك منها شيء، وتتمتع بمزاياها وتتكبد نتائج هفواتها.. الغنم بالغرم ولا مفر من تحمل سلبيات انتمائك حتى لو لم تكن موافقا له، أو حتى لو لم يكن انتماؤك أصلا موجودا لما يفترضه الآخرون أنه انتماؤك..
أن تكون مسلما في السنين الأخيرة، هو مرادف لكونك أصوليا متزمتا كارها للغير …و إرهابيا حتى يثبت العكس…فالقاعدة الشهيرة تنعكس هنا..لا مسلم بريء حتى تثبت إدانته، بل كل مسلم متهم حتى تثبت براءته، وهي غالبا لا تثبت لأن النظرية العامة والتي يؤمن بها كل غير المسلمين (أو أغلبهم، أو جزء كبير منهم، أو حتى قلة منهم، لكنها القلة المؤثرة..) النظرية تقول أن كل مسلم حتى لو كان متسامحا و”ليبراليا” ومعتدلا فهو مشروع متطرف إرهابي ويمكن لخطبة جمعة أو حديث أن يجعله ينقلب على عقبيه خسر الدنيا وأهلها!!! لا أعلم من صاحب النظرية (فالنظريات في العادة تنطلق دون صاحب ولا أهل لها!!!) ولكن أستطيع القول أنه فطحل من فطاحل النظريات!! فقد ضرب عرض الحائط بكل المبادئ الإنسانية والعلمية والدينية، فكل مسلم بمجرد انتمائه لهذا الدين هو متخلف عقليا بل لا يملك عقلا أصلا، وهو مشروع “أهبل” يضحك عليه ببضع كلمات ومستعد للقتل والسلب والنهب بمجرد أن يحرك “الإمام” شفتيه.
الفكرة الخاطئة التي يحملها الآخرون عن الإسلام (الآخرون : كل غير المسلمين) هي أن الإسلام يعتمد على قرارات الإمام، وأن إيديولوجية الإمام يمكنها أن تغير الأمة الإسلامية كلها في دقيقة أو دقيقتين! كم يتعسني ويسعدني لو أنه كانت حقيقة!! نعم يتعسني لو أنها حقيقة لأننا ساعتها سنكون فعلا مجموعة من الدمى المتحركة ليس لنا كرامة ولا عق ونمشي ونتحرك بإشارة من إمام قد يكون شفيها أو مختلا!! وكم يسعدني لو أننا نجتمع على كلمة رجل واحد لعل وعسى يكون حكيما خيّرا!!…..للتوضيح غلإمام في الإسلام يؤم الصلاة ..ويعطي رأيه في أمور الدين وللمسلم الأخذ بها أو عدم الأخذ بها..والمفتي هو بمثابة قاض يمضي قواعد الدين ويقرر الحرام من الحلال…وللمسلم الخيار..نعم أشعر بأن الكثير سيتفاجؤون!! للمسلم الخيار!! نعم إننا مخيرون!! ككل الأديان الأخرى، فنحن لم نصنع في الصين بجودة أقل!!
حين يوصم دين كامل بالإرهاب، تصبح الحياة كلها وصمة عار… وتصبح قطعة قماش ترتديها أنثى على رأسها زر إطلاق رأس نووي! وتتحول لحية أطلقها أحدهم مدفعا رشاشا مستعدا للإطلاق في أي لحظة!! تتحول النظرات كلها إليك لأنك بشكل أو بآخر تلتزم بسلوك مجتمعي أو ديني لا يتعدى كونه سترة أو التزاما بالوقار، إلى إعلان للحرب على الآخر…نعم أنا أضع قطعة قماش على شعري، ليس لأنني أكره الآخر ولا لأنني أحب أن أتميز ولا لأنني أرغب في مسح البقية السافرة من على وجه الأرض، ولكن لأنه اختيار…مجرد حرية شخصية، فكما تملك إحداهن الحرية لعدم تغطية شعرها نملك نحن حرية تغطيته!!
نعم أنا مسلمة وأصلي خمسي وأصوم شهري وأحج وأزكي…ولكنني لا أقتل ولا أكره…فالإسلام أن يسلم الناس من أذاي …الإسلام أن أسلم لله وأخضع لقضائه ولا أتمرد عليه…الإسلام أن أشيع السلام وأضمن حق الضعيف….
بعض المسلمين شوهوا الدين بأفكار لا صلة لها بالدين…شوهوا الدين وشوهوا أصحابه…وأصبحنا نمشي حاملين في صدورنا لائحة من الأفكار والجمل درعا ندافع به عن أنفسنا وكأننا أجرمنا… ما دخلي أنا إن كان أحمق ما ظن أن القتل سيدخله الجنة؟!؟! وما ذنب غيري إن كان أحمق آخر يظن أن الآخرين (جميعا بمن فيهم أنا وكثير جدا من المسلمين) نستحق القتل!
سأحرم من السفر والعيش والعمل في دول أو مع أناس ترى في قطعة القماش على رأسي تهديدا لها ولأمنها، و في اسمي العربي مشروع قنبلة موقوتة، وفي فكري الإسلامي (معتدلا كان أو ماطرا!) خطرا على الأبرياء وترى في وجهي ذي الملامح العربية مشروع إرهابية!! سأحرم من ثقة عابر سبيل، ومن ابتسامة طفل، ومن صحبة طيبة ومن الكثير…لأننا زرعنا في عقولنا بإعلام غبي أن كل مسلم هو العدو!!
تحت قطعة القماش والملامح العربية، إنسانة عادية، بنفس التكوين البشري، لي عقل اختار طريقه، ولي قلب يشعر، أبكي أحيانا وأضحك أحيانا كثيرة، مجنونة أكثر مما يعتقد الكثيرون وعاقلة أكثر مما يعتقد الكثيرون…تحت مظهر المسلمة امرأة عادية تكره منظر الدم وتحب الخير والناس… لكنني في عيون الآخرين مجرد مشروع إرهابية!
إجازة وبنزين ..!!
يفاجئك بعضهم بأقوال طنانة رنانة تتغنى بالنجاح والكفاح والتضحية والحنين والأنين (وكل كلام له رنين!) حتى تكاد تشك في أنك عديم المروءة عديم الإحساس، لا نُبل في نفسك ولا كرامة لك ولا إيثار في أخلاقك…وتجلد نقسك بالتساؤل أيعقل أن يكون هؤلاء أكثر حبا للخير من بقية البشر؟ أيعقل أن يكون هذا الرجل أكثر فطنة ودهاءا وذكاءا وانتباها لخير الأمة من الأمة كلها؟؟!؟!؟ لكن تفكيري المتأني فاجأني برد بسيط: “كلام، والكلام ما عليه ضريبة!!”
نعم يا صديقي إنه مجرد كلام، سواء أكان صاحبه يعي ما يقوله ويقصده دون أن ينتبه لتفاصيله، أو كان فقط يقوله ليخلق زوبعة في فنجان ويشار إليه بالبنان…عموما في الحالتين فقط نجح صديقنا الكاتب الصحفي الذي لم يسمع به كثيرون قبل أن يتغنى بمطالبه الوطنية في أن يصبح حديث الساعة، ليس لعبقرية اقتراحاته ونذرة أن يأتي الزمان بمثلها ولكن لما فيها من غرابة ولتوقيتها الغير المناسب البتة البتة!! الأخ المذكور لمن لا يعرف الموضوع، طالب بتقليص الإجازات ورفع الدعم عن البنزبن.
لن أدخل في جدال مع أهل الكلام، فقد علمني الزمن أن أهل الكلام يحبون الجدال ويبرعون في مطّه ومدّه وشدّه وردّه، وأنا لا أملك من الوقت والصبر ما يكفي لتحمل أي منها، ولكنني سأجيب على اقتراحاته الشديدة “الروعة” (لا ننكر أن فيها شيئا من الروعة، سوءا رائعة أو مريعة!!) بجمل هي كالأتي:
قبل أن نتكلم بلسان الطبقة الكادحة نحتاج أن نكون واحدا منها، وقبل أن نطالب ب”جز” إجازات الشعب، ندعوك لتعيش سنة من الدوام المتواصل، لأن الزمرة “الحرة” تقول ما تقوله دون وعي لما يترتب على ذلك، فليس من سمع كمن رأى وليس من رأى كمن داوم!!
حين نتحدث عن حب العمل والتفاني والإخلاص فيه، فلا داعي لإقحام الإجازات، فحب العمل والتفاني فيه يكون بالإنتاجية وليس بعدد الأيام والساعات، وكلنا يعرف أشخاصا يعملون ساعات طوالا ولكن دون نتيجة وهذا ما يجب أن يهتم به الأخ الكاتب.. فالإجازات شرعت لتكون تجديدا لطاقة الموظف والعامل ولم تشرع اعتباطا… كما أن الاحتفال ببعض المناسبات ليس “مضيعة للوقت” كما يظنها الأخ الكاتب، فهناك شيء يدعى “عيد” وهذا الشيء له طقوس، وهذه الطقوس لها مستلزمات، وهذه المستلزمات تتطلب وقتا وهذا الوقت يستدعي إجازة! وقبل أن نتحدث عن الانتاجية ونصم البلد بأنه بلد إجازات لننظر إلى الدول “المتقدمة” والصناعية والتي تتزعم اقتصاد العالم، فخلال عيدهم “الكبير” تمنح إجازات تتجاوز الأسبوع، ولا أحد يصفها بأنها دولة إجازات!!
هناك دائما وسائل سلسة وبسيطة للحفاظ على سير العمل وزيادة الانتاجية، لكن خبرتي في عالم العمل تقول أن أغلبهم (ولن أحدد من “هم”) يظنون أن طول ساعات العمل مرادف لزيادة الإنتاج وهو ظن كله إثم!! فالإنتاجية تقاس بتقليص دائرة العمل، وابتكار طرق مبسطة للعمل، والاستغناء عن التكرار والبيروقراطية وغيرها من الممارسات التي تسحق الوقت والموظف ولا تأتي بخير!!
ربما يستحب لبعض القطاعات أن لا تنقطع عن العمل مدة طويلة، وهذا يمكن تنسيقه ضمن القطاع ذاته بتوفير مكاتب مداومة خلال الإجازات، بما يفي بالحالات الطارئة والعاجلة وليس بحرمان الجميع من الإجازة ليتواجدوا في دوام يمضون تسعة أعشاره في التذمر منه!!
حين تطالب برفع الدعم عن البنزين، قد نفهم أنه اقتراح لتخفيف عبئ ميزانية الدولة، ولكنه الأسلوب يا أخي، الأسلووب والتوقيت!…يبدو أن أخانا في الله لديه مشكلة في انتقاء أسلوب الطرح وتوقيته… ومثلما دعى نائب سويسري إلى منح الشعب جميعا راتبا شهريا ليتمتع الشعب براحة البال ويحيى في هناء وسرور، دعا أخونا في الله إلى رفع الدعم عن البنزبن…. إنها كلمة هو قائلها… رفع الدعم أو منح راتب رفاهية أمر تدرسه الجهات الاستشارية والمختصة للدولة، وقد تقره أو ترفضه ولا يبقى من الكلمة إلا ريحها لقائلها…طيبة أو غير طيبة!!
سواء كان لما كتبته يد في انكماش الإجازة أو لم يكن له يد، نبشرك أنك كنت حاضرا في كل بيت هذا العيد، وذُكرت بما تيسر، تقبل الله!
“حين يرفع الدعم عن بنزين سيارة موظف محروم من إجازة العيد، قد يشتعل ذاتيا ويحترق!!”
الحوت خير من الدود
Publishedسبتمبر 6, 2015 Post authorazizamourassilo
حين تُقفل أبواب الأمل في وجهك ويعطيك أهلك وجيرانك ظهرهم وأنت في أمس الحاجة، ويظهر أنْ ليس لك صديق في وقت الضيق، وأن كل كلام الأغاني وشعارات الأناشيد الوطنية العروبية مجرد كلام ونظم ملحون، وصياغة بيانية أريد لها أن تكون “أكذبه” لتبلغ “أعذبه”.. عندما تمد يدك على استحياء لتدق باب الجار ليستضيفك حتى تنتهي “أشغال الحفر والتعمير” في بيتك فلا يفتح الباب ويتحجج بأنه كان نائما ولم يسمع الجرس! وحين تدقه ألف مرة فيفتح متأففا من أنك العاشر أو الألف ممن يدقون بابه ولا يستطيع أن يؤويك في بيته حتى حين…أو يهملك ببساطة حتى تدرك وحدك أنه لا مكان لك بينهم…بين أصدقاء وجيران من ورق…
حينها تحمل نفسك وفلذات نفسك وتستقل أول وسيلة “إبعاد” تبعدك عن هؤلاء القوم وعن أشغال الحفر والتعمير (التي يأبى صاحب الدار إلا أن ينهيها ولو على جثتك!) وعن كل شيء حتى حين…تحمل ما تبقى من أوراقك وآمالك وترحل، تتمنى الرجوع لكنك في قلبك لا ترغبه إلا لأنك تعلم أنك ستكون دائما غريبا “ثقيلا” في ضيافة أناس يدّعون أنهم بشر، ينظرون إليك على أنك عبئ على أكتافهم ، مع أنك تحمل نفسك وتحمل معها أعباء همّ ثقيل ..لكنك لا تملك إلا أن تحملها وتتحملها حتى حين…
حين يبلغ اليأس مداه وتنظر إلى الأفق فلا تراه، وتحاول أن تتخيل بابا للأمل فلا ترى أمامك إلا بحرا “شو كبيييير” ولا أحد “وسع البحر” يحبك!! حينها تحمل نفسك وفلذات نفسك وهمك الثقيل وترحل…تركب قاربا تعلم أن همك الثقيل سيخرقه ولكنك تركب وترسم الأمل كذبا لأنك لا تملك إلا أن تكذب، وتتخيل أنه على الضفة الأخرى هناك بشر مختلفون!!.. ينطلق قاربك “الملعون” ببركات الأحباء والأشقاء، ينطلق في موج لا تراه لإن أفقك توقف عند حدود عيني أطفالك،، تراقبهم وتتخيل أنهم هناك في الضفة الأخرى سيجدون كوب حليب ولحافا دافئا…هناك سيحملون على أكتافهم حقيبة مدرسية بدل همّ حملوه باكرا…سيدرسون ويكبرون وينسون…على أمل أنت وتحلم …..ربما يتحقق وغالبا سيعود الموج بك وبفلذاتك مرميا على شاطئ غريب…
منذ أسابيع، وكأن الكون يشير إلي بما سيحدث… صادف أن سمعت مقطعا من أغنية قديمة لم أسمعها من قبل، شدتني كلماتها، لم أسمع سوى هاته الكلمات “الحوت خير من الدود” وبعد أيام بحثت عنها على الانترنت ووجدتها وليتني لم أجدها…الأغنية ترثي “الحراقة” وهم فئة من شباب دولنا الحبيبة في شمال افريقيا ضاقت بهم السبل فآثروا الرحيل في قوارب الموت إلى مستقبل مجهول لأن “المستقبل مسدود” كما تقول الأغنية … و”الحوت خير من الدود” أي أنهم يفضلون أن يأكلهم السمك (الحوت) على أن يموتوا بأرض لا أمل لهم فيها ويأكلهم الدود…هي ميتة واحده فخير أن يجرب السعي إلى الأمل، حتى لو كان أملا كاذبا….. يسمونهم “الحراقة” لأنهم يحرقون كل متعلقاتهم وأوراقهم قبل الرحيل حتى تضيع هويتهم ولا يتعرف إليهم أحد،، يبدأون حياة جديدة،، يأملون أنهم كطائر الفينيق سيبعثون من رماد ما أحرقوه…
بكيت بحرقة ومسحت دموعي ولم أغير في الكوكب ساكنا…..
استمعوا إلى الأغنية، وابكوا….ابكوا بحرقة…ليس على “الحرّاقة” ولكن على أنفسكم وأنتم تتركون أهلكم يؤثرون الحوت على الدود حتى لا يذروا لكم قبرا تنتحبون عنده!!!
تبا لكم!!!
رابط الأغنية بصوت الشاب خالد (الأغنية الأصلية لفنان جزائري قديم رابح درياسه)
“أنا ياباني!!”
Publishedسبتمبر 2, 2015 Post authorazizamourassilo
في أحد لقاءاتي “التذكارية” مع أحد معارفي اليابانيين، اتصل ليخبرني أنه سيزور البلد الشهر المقبل…نعم أخبرني شهرا قبل الوقت المحدد… وقال أنه خلال التواريخ المحددة سيكون متواجدا ويرغب في ” السلام علي” وأخبرني أن أحدد وقتا يناسبني…وطبعا وبعد الاطلاع على جدول أعمالي الغريب وبعد أسبوع أو أكثر أخبرته بالوقت المناسب اليوم الفلاني الساعة الرابعة أو الخامسة…نعم جعلته موعدا مطاطا حتى لا ألزمه بتوقيت محدد وحتى يختار الأنسب لكنه وافق على الموعد بجملته وترك لي خيار “المطاطية” في الموعد…وجاء الوقت المناسب وانطلقت إلى مكان اللقاء متأخرة عن الموعد وفي بالي أنه لم يتصل وسيكون هناك بين الساعة الرابعة والخامسة… قبل وصولي وردني اتصال من رقم محلي افترضت أنه رقمه ولم أرد طبعا لأنني كنت أسوق السيارة …وصلت إلى المكان الموعود ودخلت “الكوفي شوب” لم يكن هناك … فافترضت أنه لم يصل بعد، وعلت وجهي ابتسامة الرضا.. ولكن قبل أن أجد مكانا لأجلس فيه وجدته أمامي يحييني “بركعته” اليابانية الشهيرة التي تجعلني أستحيي من طول قامتي ..حييته بإيماءة مماثلة ولكنها على مستوى الرأس فقط (ولا تصل إلى الركوع نظرا لما في الأمر من اشتباه وكلام كبير عريض) ثم سألته متى وصلت؟ قال الرابعة تماما…قلت: آسفة ظننت أنك ستتأخر لأننا لم نحدد الساعة بالظبط ، لم أكن أريد أن ألزمك بساعة محددة، فقال : وصلت الرابعة تماما ، أنا ياباني!!…لا أدري هل كان وصفا له أم مسبة لي!! ولنا جميعا!!! لماذا يلتزم الياباني بالوقت بالدقيقة والثانية حتى في مواعيده “الفليكسيبل” بينما “نمطها ” نحن حتى في المواعد الصارمة ونتركها ” على الله” …
في لقاءاتي مع أغلب معارفي العرب على اختلاف مشاربهم وطوائفهم، لم يحدث أن التقينا على الوعد، فإما أن يتأخروا أو أن أتأخر (مع أنني غالبا أصل قبل أغلبهم إلا في حلات القوة القاهرة!) في إحدى محاولاتي الفاشلة لتأديب إحدى صديقاتي التي “تلطعني دائما في انتظارها قررت أن أتأخر عمدا وذهبت متأخرة عن الموعد بأكثر من نصف ساعة وكانت المفاجأة أنها لم تصل بعد وجلست كالعادة أعد الخراف حتى تصل!!! أشعر أنه طقس مقدس في لقاءاتنا، ويجب علينا احترامه وأن اللقاء في الوقت المحدد يجلب النحس، أو يؤدي إلى الخسوف!!
في بعض (أو كل ) بلداننا العربية يعتبر عيبا أن تصل في الموعد المحدد ، خاصة في “العزومات” (عقلية غريبة لا أجد لها معنى ولا تفسيرا) فأنت بمحض إرادتك تحدد الموعد وتقول لضيفك تعال الساعة السابعة ثم تتضايق إن وصل قبل الثامنة!!! طبعا، من حقك أن تغضب، فكيف لا يحترم هذا الضيف العرف الشفاهي المتداول بأن يتأخر على الأقل ساعة وأن لا يزيد عليها لأنه يصير قليل أدب إن تأخر أكثر..وأحيانا تختلف مقاييس التأخير بين المضيف والضيف فتصير قليل أدب في كل الأحوال!! وتفضل أن لا تدعو أحدا وأن لا يدعوك أحد وتعيش في البراري بين التيوس والخرفان والديكة التي تحترم مواعيد الآذان ولا تخلو من لائميها لماذا تصيح في هذا الوقت!!.
الحرية!
Publishedأغسطس 23, 2015 Post authorazizamourassilo
دخلت في نقاش مع نفسي المتمردة فسألتها وسألتني ما الحرية؟؟؟ قالت: أن أفعل ما أشاء وقت أشاء وكيفما أشاء!! نظرت إليها عاتبة وقلت ألا تأخذين برأيي؟؟ قالت بلى ولكنني كما يقول المثل “اسألها ولا تأخذ برأيها” وضحكت ضحكة حقيرة جعلتني أرغب في خنقها وإطباق إبهامي يدي على حنجرتها حتى أسمع صوت هدوء أنفاسها لكنني تذكرت أنها مني وأنني منها وأنها أنا وأنا هي..ثم تذكرت أننا نتكلم عن الحرية! أو ليس من أبسط الحريات حرية التعبير؟؟ كيف أتحدث عن الحرية وأنا حتى لا أستطيع تحمل رأيي بيني وبين نفسي!! تبا لي من دكتاتورية مستبدة!! سأعيد الكرّة، لنبدأ من جديد…
ما الحرية؟: قلت لنفسي وأنا أرسم على وجهي ملامح الفقيه العارف بخبايا الكون وكنه الأشياء (جميلة كنه الأشياء هذه!! كلمة لزيادة الإحساس بالعبقرية والحكمة!) قلت: الحرية أن أتصرف في أمور حياتي بما يريحني ويضمن تحقيق أهدافي دون أن أضر بغيري ولا أن أمس بحريته! ابتسمت نفسي وأجابتني كمن يترصد زلاتي: لا يمكنك تحقيق أهدافك دون أن تضر بحرية غيرك!
- ولم ذلك؟! بل يمكنني ممارسة حريتي دون الإضرار بغيري
- ربما لن تضره ولكنك حتما ستنقص من حريته
- وكيف ذلك؟
- سأعطيك مثلا: حين ترغب في سماع الموسيقى بصوت صاخب فأنت تجعل الآخرين يتسمعون إليها دون رغبتهم ، ربما يكون هناك الكثير ممن لا يمانعون ولكن حتما هناك من لا يرغب في ذلك وحتى الذين لا يمانعون فأنت فرضت عليهم رغبتك وتدخلت في حريتهم
- يمكنني الاستماع إليها باستعمال السماعات
- إذا هنا فقد قيدوا هم حريتك!! فأنت ترغب في الاستماع إليها تحيط بك ودون سماعات وتريدها ترج أرجاء المنزل أو السيارة
- اممم… وجهة نظر!! ولكن ليست واضحة بما يكفي
- سأعطيك مثالا آخر، ماذا لو أنك ترغب في السفر حول العالم؟ هل سيكون الأمر سهلا؟؟ طبعا لا !! هناك تأشيرات وحدود ومطارات وكلها تقييد لحريتك
- أجل لا تذكريني بمسألة التأشيرات والمطارات!! أرى أنك هنا توافقينني الرأي ولست تخالفينني، فهذا انتهاك لحرية الأفراد!
- أجل ولكنها حرية السلطات!! فكل دولة تعبر بمنتهى “الحرية” عن حريتها” في اختيار من يدخل بلدها ممن لا يدخل وحرية المطارات في رفع ضغطك وتفتيشك وإدخالك من عشر بوابات وتسع نقط تفتيش وخمس آلات تصوير وغيرها من الاحترازات التي تضمن “حرية التنقل” للأفراد دون أن يتعرضوا للخطر
- صحيح، فهنا وجهة النظر مختلفة! يعتبرون أنه حفاظ على سلامة الأفراد..ولكن هذا لا يمنع أننا كأفراد حين نتفهم الوضع ونتقبله لا يشكل ذلك مشكلة
- حقا ؟؟! ولكن في النهاية هم يحدون من حريتك! ألا تشعر برغبة في صفع المسؤول الذي يطبع ختم مرفوض على جوازك!؟!؟
- اممم…أجل! هههههه ولكن حريتي هنا ستضر بالآخرين.
- حسن!! سأعطيك مثالا آخر: تدخل مطعما وتطلب طبقك المفضل بكل حرية وتبدأ الأكل بمنتهى الحرية وتصدر أصواتا فينزعج الحاضرون…أليس هذا مساسا منهم بحريتك ومساسا منك بحريتهم؟؟
- أجل ولكننا اتفقنا أن الحرية تنتهي عند حرية الآخرين
- يا عزيزي لا حدود للحرية ، الحريات متداخلة! وما تسميه أنت حرية حتما يتداخل إلى حرية شخص آخر وينتقص منها بشكل أو بآخر واحترامك لحريته ينتقص من كمال حريتك!! أدرك أنك لن تفهم المغزى ، فمخك سميك!!
- توقفي عن ذلك أنت الآن تضرين بي ولست حرة في قول ما تشائين..
- وأنت الآن تمنعني من ممارسة حريتي بالتعبير عن الوصف الصحيح لك ههههه ..أرأيت! الحياة تجبرنا حتى على انتقاء كلمات دون أخرى!! ليس لنا حرية في قول ما نشاء!!
- دعينا من هذا …حدثيني عن الحرية بمعناها الكبير
- تقصد الحرية بمعناها السياسي الخطير هههه
- أجل! هل ترين أن هناك حرية
- لا أعرف ولكنني أظن أن لا وجود للحرية المطلقة…هي دائما نسبية يا عزيزي…أكبر تعابير الحرية : الديموقراطية! هل الديموقراطية تضمن الحرية؟
- أظن ذلك
- لا بل هي تكرس وأد الحرية، فهي تغصب ما يصل إلى 49% من الناس على التعايش مع حاكم أكدوا أنهم لا يرغبون فيه!!
- اممم… ولكن تلك مسألة أخرى…فهذا لا يمس بحريتهم الأساسية
- بل يمس بأولى حرياتهم، اختيار من يمثلهم ويحرك البلاد باسمهم! ثم أن حريتك في الحصول على رخصة أو تصريح أو غيرها تصطدم بقانون أنت غير راض عنه، وضعه أشخاص لم تخترهم ولم توافق على قراراتهم..أنت تمارس حرية القطيع
- حرية القطيع؟!
- أجل!! تتبع القطيع ولك الحرية التامة أن تمشي داخله وحسب أوامره وأنت معتقد كل الاعتقاد أنك حر..ولكنك لست كذلك… إنها نسبية يا عزيزي…نسبية!!
- ربما ذلك صحيح، لكنني أتمتع بالحرية في اختيار ما هو متاح..
- ما تعتقد أنه حرية هو وهم حرية.. أنت تعمل حسب توقيت لم تحدده أنت وأيام لم تخترها، وتأخذ الإجازة بعد الخضوع لنزوات مديرك وتضطر لتسول موافقته على حق من حقوقك، وتلبس ما يحدده مصممو الأزياء وخالقو الموضه وأنت مقتنع أنه يعجبك، لكنه ليس أكثر من أفضل الموجود أو أفضل “المفروض” عليك، حتى عندما تأكل فأنت لست حرا تماما، بل يحكمك الأكل المتوفر، والخوف من المرض وقيمة الأكل، وتوقيته وظروفه… في الزواج أيضا، قد ترغب في الزواج من شخص لكنه يرفضك فأنت محكوم بتراضي الطرفين…والبيع والشراء ، قد ترغب في امتلاك شيء لكن صاحبه “حر” في أن يمنعك! هناك أشياء كثيرة تقيد حريتك: المجتمع ، الصحة، الأعراف، المال، الأخلاق، القوانين، الغباء، الوقت، المكان، الزمان، الجو….. إنها نسبية يا عزيزي نسبيييييية!!
- إذا لا وجود للحرية المطلقة
- مارأيك أنت؟! وضحكت ضحكة مدويه!!
- تبا لك!!
بالروح بالدم!!
Publishedأغسطس 17, 2015 Post authorazizamourassilo
مع بداية أولى لفحات الصيف الجميل الذي لا يبرح أرض الخليج إلا لأسابيع معدودات ليعود وكله شوق لإحراق ما تبقى من وجوهنا الصبوحة (؟!) ومع بداية نسائم الحر المشتعلة اشتياقا إلى دفئ اللقاء بنا، أتذكر فصل الربيع، هذا الفصل الذي لم أعد أذكره جيدا لطول مكوثي بالمنطقة، حتى أصبحت أسناني تصطك لأقل نسمة باردة واختلط علي الربيع والصقيع! أتذكر أنه كان فصلا جميلا، مزهرا نديا مليئا بالألوان، مليئا بالطيور والفراشات، والنسائم الباردة التي تدغدغك صباحا لتبتسم دونما سبب وتشعر بارتياح غريب… فصل الربيع الهادئ الجميل… وأتذكر الربيع العربي، وهنا أقف عند سؤال عكر ربيعي وصيره خريفا مرعدا ماطرا: من خرج بعبارة الربيع العربي؟!!
لا أدري من أي الأوجه رآه ربيعا؟! بعيدا عن الفلسفات اللغوية والفذلكات التصورية، فإنني لا أرى فيه شيئا من الربيع ولا حتى الصيف!! إنه فصل أعاصير وأمطار رعدية، إنه لقاء كاترينا بساندي، ليس فيه من هدوء الربيع وجماله شيء… الأمة ثائرة، والكل يصرخ حتى لم يبق من يستمع ولم يعد هناك أمر لا يدعو للثورة والاحتجاج: تستيقظ صباحا لتجد الماء مقطوعا بسبب انفجار أنبوب الماء الرئيسي نتيجة حادث سير فتقرر أن تحتج وتثور، أو تذهب لتشتري خبزا فتجد درجة حرارته ليست كما تحب وتشتهي فتثور…هكذا هي الثورة هذه الأيام، فقد اختلط الحابل بالنابل والثائر بالثور، فلا تدري من هو على حق ممن هو فقط طبل يدوي عن فراغ! أذكر في أيام الشباب -ألا ليت الشباب يعود- حين كانت درجة الذكاء أعلى (حسب ظننا في ذلك الآن، وهو ما دحضته الأيام!) وكانت الحماسة أعلى وأعلى فكنا لا نرضى الظلم ولا نسكت على الإهانة، فكانت الثورات موسمية تتراوح بين الخاطفة والطويلة المملة، فكنا نخوض مظاهرات لا تعد ولا تحصى ونطالب بكل شيء وحماسة الشباب تملؤنا، ونتلو الشعارات صراخا ونصرخ في وجه قوات حفظ الأمن الحنونة أحيانا والثائرة أحيانا أخرى، قوات الأمن التي لا أدري من أين كانت تأتي ببرود أعصابها لتتحمل غباءنا وأصواتنا المزعجة، (والتي كانت تنفجر غضبا أحيانا أخرى لتجهز على أحدنا ضربا لنجد حجة جديدة للثورة ونغذي عجلة الثورة وحاجتنا للتظاهر!).
أنا شخصيا شاركت في عدة مظاهرات وها أنا اليوم أبرئ ذمتي وأشهد أني والزمرة الصارخة معي الهاتفون بحقوق المرأة والطفل والشجرة…. المطالبون بتحرير فلسطين وإغاثة أبناء الصومال وغيرها من المطالب الشجاعة البراقة، أشهد أنني وأننا كنا جزءا من قطيع يقوده ثور هائج لا ندري مانواياه، صالحة أم طالحة، ولا ندرك ما الهدف من مظاهراتنا وصياحنا، بل كنا مجاميع (كومبارس كما يدعون في لغة الأفلام) نصرخ حين يقول القائد شيئا ونركض حين يركض مَن أمامنا ونختبئ حين يركض خلفنا رجال الأمن، كنا نهتف “بالروح بالدم” وليس في هتافنا روح ولا “عندنا دم”، لم يكن في عقولنا حينها غير الفرار من الدراسة والحصول على إجازة “ثورية” و”فش الغل” في مدير الثانوية أو عميد الجامعة والانتقام من المؤسسة التعليمية كلها لسبب وبدون سبب، فكانت فرصة لأنصار التدمير لتكسير النوافذ والسيارات دون عقاب، فالفاعل “أعمال شغب جماعي” أو “مظاهرات طلابية” الفاعل فيها مجهول، و فرصة لأعداء هيئة التدريس للبوح بقبيح الألقاب وسب الفراش والمدير والعميد على السواء دون الحصول على جائزة الرفد أو الفصل من الدراسة.
كانت ثوراتنا متنفسا طفوليا لا نهدف من ورائه إلى شيء، ولا ندري هل هي مجرد هتافات أم هناك أهداف لا نعلمها يُخطَّط لها ونكون نحن حطبا لنار لا نعلم من ستحرق، نحن فقط نتبع قائد القطيع و”نبعبع” خلفه مبتسمين!…. لا أظن أن ربيعنا العربي يختلف عن ربيعنا الطلابي، في كل ربيع قطيع وقائد، القائد يركض وينطح، والقطيع يبعبع وينطح.. وللراعي الله!!
كلمة: الحمى العربية وصف أقرب إلى الواقع، فهي مُمْرضة وتنتقل عدواها بين الأقارب، وهدفها قتل المرض في الجسم ورفع مناعته، لكنها تقتل أحيانا إن زادت عن الحد… لفح النار ورائحة البارود لا يمكن أن يكون ربيعا!